السمنة ليست دائماً نتيجة تناول الطعام بكثرة أو قلة الحركة، ففي كثير من الحالات يكون السبب أعمق من ذلك.
بعض الأشخاص يمتلكون استعداداً وراثياً يجعل أجسامهم أكثر قابلية لتخزين الدهون وأبطأ في حرقها، حتى مع الالتزام بنظام غذائي صحي. هذه الحالة تُعرف باسم السمنة الوراثية، وهي شكل من أشكال البدانة يرتبط بخلل في الجينات أو الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الوزن والشهية.
تُعد السمنة الوراثية من أكثر أنواع السمنة تعقيداً لأنها لا تستجيب بسهولة للحمية أو الرياضة، وتحتاج إلى تشخيص دقيق وتقييم شامل للعوامل الجينية والهرمونية قبل وضع خطة العلاج المناسبة.
في هذا الدليل الطبي، يشرح الدكتور علي الشيخ كيف تؤثر الجينات على الوزن، ومن هم الأكثر عرضة للسمنة، وكيف يمكن الوقاية والعلاج، بما في ذلك الخيارات الجراحية الحديثة لعلاج السمنة الوراثية.
ما هي السمنة الوراثية؟
السمنة الوراثية هي زيادة الوزن الناتجة عن خلل في الجينات التي تتحكم في الشهية، وحرق الدهون، وتوزيع الطاقة داخل الجسم.
قد تكون وراثة مباشرة (ينتقل الجين المسبب من أحد الأبوين) أو وراثة متعددة العوامل (مزيج من الجينات ونمط الحياة).
باختصار: ليست كل زيادة في الوزن ناتجة عن الأكل الزائد أحياناً السبب في الحمض النووي نفسه.

كيف تؤثر الجينات على السمنة؟
تتحكم الجينات في طريقة تعامل الجسم مع الطعام والطاقة. فعلى سبيل المثال:
-
بعض الجينات تزيد الشعور بالجوع أو تقلل الإحساس بالشبع.
-
جينات أخرى تُبطئ عملية الأيض (التمثيل الغذائي)، فيحرق الجسم سعرات أقل.
-
وهناك جينات تؤثر على توزيع الدهون في الجسم (حول البطن أو الفخذين).
من أبرز الجينات المرتبطة بالسمنة:
-
جين FTO: يزيد من الشهية ويقلل الإحساس بالامتلاء.
-
جين MC4R: يتحكم في إشارات الدماغ المرتبطة بالشبع، وعند تعطله ترتفع احتمالية السمنة المبكرة.
-
جين LEP: مسؤول عن إفراز هرمون اللبتين الذي ينظم الشهية، ونقصه يؤدي إلى الجوع المستمر.
من هم الأشخاص الأكثر استعداداً للسمنة الوراثية؟
تزيد احتمالية الإصابة إذا وُجدت السمنة في أحد الأبوين أو كليهما، أو في عدة أفراد من العائلة.
لكن لا يتوقف الأمر على الوراثة فقط بل تتفاعل الجينات مع نمط الحياة، كالتغذية وقلة الحركة والضغوط النفسية.
الأكثر عرضة هم:
-
الأطفال الذين لديهم أحد الأبوين بديناً.
-
الأشخاص الذين يكتسبون الوزن بسرعة رغم تناولهم كميات معتدلة.
-
من يعانون من سمنة منذ الطفولة ولا تنجح معهم الحميات.
-
مرضى المتلازمات الوراثية مثل متلازمة برادر ويلي (Prader-Willi) أو بارديه بيدل (Bardet-Biedl).
أنواع السمنة الوراثية
يمكن تصنيف السمنة الوراثية إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. السمنة الجينية البحتة
ناتجة عن طفرة في جين واحد، وغالباً ما تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة، وتكون مقاومة للحمية والرياضة.
2. السمنة الهرمونية الوراثية
مرتبطة بخلل في الغدد مثل:
-
الغدة الدرقية (قصور النشاط).
-
الغدة الكظرية (متلازمة كوشينغ).
-
الغدة النخامية (اضطراب الهرمونات المنظمة للوزن).
هذه الأنواع تُظهر زيادة تدريجية في الوزن مع أعراض هرمونية أخرى مثل الخمول أو ضعف النمو أو تغيرات الجلد.
3. السمنة المرتبطة بالمتلازمات الوراثية
مثل متلازمة برادر ويلي أو بارديه بيدل، حيث ترافق السمنة أعراضاً أخرى (نقص في النمو، أو تأخر في التطور العصبي).
تُعد من الحالات النادرة التي تحتاج متابعة متخصصة من فريق طبي متعدد التخصصات.

كيفية تجنب السمنة الوراثية
لا يمكن تغيير الجينات، لكن يمكن التحكم في تأثيرها من خلال نمط حياة صحي وواعي:
-
نظام غذائي متوازن:
-
تقليل السكريات والنشويات البسيطة.
-
التركيز على البروتينات والخضروات.
-
تقسيم الوجبات على مدار اليوم بدلاً من وجبتين كبيرتين.
-
-
النشاط البدني المنتظم:
حتى 30 دقيقة يومياً من المشي أو السباحة يمكن أن تخفف من التأثير الوراثي على الوزن.
-
النوم الكافي:
قلة النوم تؤثر على هرمونات الجوع (اللبتين والغريلين) وتزيد الشهية.
-
الفحوص الدورية:
لمراقبة الغدة الدرقية ومستويات السكر والدهون.
التغييرات الصغيرة في السلوك اليومي يمكن أن تقلل خطر السمنة حتى لدى من لديهم استعداد وراثي قوي.
كيفية علاج السمنة الوراثية
يُحدد العلاج بناءً على نوع السمنة ومرحلة تطورها، ويشمل:
1. العلاج الدوائي
يُستخدم في الحالات التي لا تستجيب للحمية، ويعمل على:
-
تقليل الشهية (مثل أدوية GLP-1).
-
زيادة حرق الدهون.
لكن يجب أن يتم ذلك تحت إشراف طبيب مختص لتفادي المضاعفات.
2. العلاج السلوكي
يتضمن جلسات تعديل السلوك الغذائي والنفسي لمساعدة المريض على ضبط عادات الأكل.
3. العلاج الجراحي (جراحات السمنة)
في حال فشل العلاجات الأخرى أو عند ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI) فوق 40، يمكن اللجوء إلى العمليات الجراحية التي أثبتت فعالية كبيرة في علاج السمنة الوراثية والمكتسبة على حد سواء.
العمليات الأكثر شيوعاً لعلاج السمنة الوراثية
-
تكميم المعدة:
استئصال 70–80٪ من المعدة لتقليل حجمها والشهية.
فعالة للأشخاص ذوي الاستعداد الوراثي العالي لأنها تقلل تناول الطعام دون التأثير على امتصاص المغذيات الأساسية.
-
تحويل المسار:
تغيير مسار مرور الطعام لتقليل الامتصاص، مما يؤدي إلى فقدان وزن أكبر وتحسن سريع في مقاومة الإنسولين.
-
طي المعدة:
تصغير حجم المعدة بالخياطة دون استئصال أي جزء، وتُعد خياراً مناسباً لبعض المرضى الشباب أو من يفضلون عملية قابلة للعكس.
-
بالون المعدة:
إجراء مؤقت يوضع بالمنظار لتقليل الشهية وتهيئة المريض لتغيير نمط حياته قبل اللجوء للجراحة الدائمة.
هذه العمليات تُجرى تحت إشراف جراح مختص مثل الدكتور علي الشيخ، بعد تقييم دقيق للحالة الوراثية والهرمونية للمريض.
فترة التعافي بعد جراحات السمنة الوراثية
-
الإقامة بالمستشفى: 1–3 أيام حسب نوع العملية.
-
النظام الغذائي: يبدأ بسوائل ثم وجبات مهروسة وصولاً للطعام العادي بعد 4–6 أسابيع.
-
النشاط البدني: المشي من اليوم الثاني لتجنب الجلطات وتحسين الشفاء.
-
المتابعة الطبية: ضرورية لتجنب نقص الفيتامينات أو فقر الدم.
هل يمكن الشفاء من السمنة الوراثية تماماً؟
لا يمكن “إلغاء” الجينات المسببة للسمنة، لكن يمكن السيطرة عليها بالكامل عبر الجمع بين:
-
الجراحة أو الدواء (حسب الحالة).
-
نمط حياة صحي.
-
متابعة طبية مستمرة.
الكثير من المرضى المصابين بالسمنة الوراثية استعادوا وزنهم الطبيعي وصحتهم بعد التزامهم بالخطة العلاجية الصحيحة.
متى تستشير الطبيب؟
إذا كنت تكتسب الوزن بسرعة رغم الحمية أو لديك تاريخ عائلي مع السمنة، استشر الدكتور علي الشيخ لتقييم حالتك وتحديد الخيار الأنسب.
احجز استشارتك الآن لتتعرف على العلاج المناسب للسمنة الوراثية حسب نوعها وأسبابها الخاصة.