
أصبحت جراحات السمنة خياراً شائعاً لدى الكثير من الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، خاصةً عندما تفشل الأنظمة الغذائية والتمارين الرياضية في تحقيق النتائج المرجوّة. ومن بين هذه العمليات، تبرز عملية تحويل مسار المعدة كأحد أكثر الإجراءات شيوعاً وتأثيراً.
هل هي الحل الأمثل لكل من يسعى لفقدان الوزن؟ في هذا المقال، نسلّط الضوء على هذا الإجراء الجراحي، ونتناول فوائده، مخاطره، والفروق بينه وبين غيره من العمليات الجراحية الخاصة بالسمنة.
ما هي عملية تحويل مسار المعدة؟
تحويل مسار المعدة هو إجراء جراحي يتم فيه تصغير حجم المعدة إلى جيب صغير، ثم توصيل هذا الجيب مباشرةً بالأمعاء الدقيقة، متجاوزاً جزءاً من المعدة والجزء الأول من الأمعاء (الاثني عشر). وبذلك، يقلّ امتصاص الطعام والسعرات الحرارية، ويشعر المريض بالشبع بسرعة أكبر.
هذه العملية تُعرف أيضاً باسم "تحويل مسار المعدة المصغر" أو "رو-واي" (Roux-en-Y Gastric Bypass)، وتُعد من العمليات المعقدة نسبياً مقارنة بغيرها من عمليات السمنة
تتم عملية تحويل مسار المعدة جراحياً تحت التخدير العام، وتستغرق عادة من ساعة إلى ساعتين، ويمكن إجراؤها بالتنظير (من خلال فتحات صغيرة في البطن).
وهذه خطواتها الأساسية:
-
تصغير المعدة
يقوم الجراح بإنشاء جيب صغير في الجزء العلوي من المعدة باستخدام دبابيس جراحية. هذا الجيب لا يتسع إلا لكمية صغيرة من الطعام (حوالي 30-50 مل)، مما يقلل بشكل كبير من كمية الطعام التي يمكن تناولها.
-
تجاوز جزء من الأمعاء
يتم قطع جزء من الأمعاء الدقيقة (الجزء العلوي – الصائم)، ثم توصيل هذا الجزء مباشرة بجيب المعدة الصغير. هذا يعني أن الطعام يتجاوز معظم المعدة والجزء الأول من الأمعاء، وبالتالي يقل امتصاص السعرات والمواد الغذائية.
-
إعادة توصيل الأمعاء
الجزء المتبقي من الأمعاء (الذي ينقل عصارات الهضم من المعدة الأصلية والكبد والبنكرياس) يُعاد توصيله إلى جزء أبعد في الأمعاء، بحيث تختلط العصارات الهضمية مع الطعام لاحقاً، مما يكمّل عملية الهضم جزئياً.
-
إنهاء الجراحة
بعد التأكد من عدم وجود تسريب أو نزيف، يتم إغلاق الجروح، سواء بالتنظير أو الجراحة المفتوحة.
-
التعافي:
- يبقى المريض عادة في المستشفى من 1 إلى 3 أيام.
- يبدأ بتناول السوائل فقط، ثم ينتقل تدريجياً إلى الطعام المهروس ثم الطعام الطبيعي خلال أسابيع.
-
يجب تناول مكملات غذائية مدى الحياة لتعويض سوء الامتصاص الناتج عن تجاوز الأمعاء.
مميزات وعيوب عملية تحويل المسار
فوائد عملية تحويل مسار المعدة
تحمل عملية تحويل مسار المعدة العديد من الفوائد التي جعلتها محط اهتمام في عالم طب السمنة، منها:
- فقدان سريع ومستمر للوزن على مدى الأشهر الأولى بعد العملية.
- تحسين أو حتى شفاء حالات صحية مرتبطة بالسمنة مثل السكري من النوع الثاني، ارتفاع ضغط الدم، وتوقف التنفس أثناء النوم.
- تقليل الشهية بفضل التغيرات الهرمونية الناتجة عن تجاوز جزء من الأمعاء.
-
تحسين جودة الحياة النفسية والجسدية للمريض.
رغم هذه الإيجابيات، من المهم الانتباه إلى أن هذه الفوائد لا تعني خلوّ العملية من المضاعفات والمخاطر.
من هم الأشخاص المؤهلون لتحويل المسار؟
لا يُنصح بإجراء تحويل مسار المعدة لكل من يرغب بإنقاص وزنه. بل هناك معايير طبية محددة يجب توافرها، منها:
- مؤشر كتلة الجسم (BMI) يزيد عن 40، أو أكثر من 35 مع وجود أمراض مرافقة كمرض السكري أو ارتفاع الضغط.
- فشل الطرق التقليدية (كالنظام الغذائي والرياضة) في تقليل الوزن.
- الاستعداد النفسي والبدني للخضوع للعمل الجراحي والالتزام بنمط حياة صحي بعده.
-
عدم وجود موانع طبية مثل أمراض القلب الخطيرة أو أمراض نفسية غير مستقرة.
أضرار تحويل المسار المعدة على المدى البعيد
رغم أن تحويل مسار المعدة قد يكون فعالاً لفقدان الوزن، إلا أن له أضراراً على المدى الطويل قد تتجاوز فوائده عند بعض المرضى، مثل:
- سوء امتصاص الفيتامينات والمعادن، خاصة الحديد، الكالسيوم، وفيتامين B12، مما قد يؤدي إلى فقر الدم وهشاشة عظام.
- احتمالية حدوث متلازمة الإفراغ السريع (Dumping Syndrome)، والتي تشمل الغثيان و الإسهال بعد تناول الطعام.
- ارتفاع خطر الإصابة بحصوات المرارة ومشاكل الكلى.
- تغيرات في الحالة النفسية نتيجة التغيرات الهرمونية السريعة.
-
احتمال الحاجة لجراحة تصحيحية مستقبلاً.
لذلك، فإن أي قرار بشأن العملية يجب أن يكون مدروساً بإشراف طبي متخصص.
الفرق بين تحويل المسار الكلاسيكي والمصغر
يُعتبر كل من التحويل الكلاسيكي والتحويل المصغر نوعين من عمليات تحويل مسار المعدة، لكن هناك فرق في الطريقة التي تُجرى بها كل منهما. في التحويل الكلاسيكي، يقوم الجراح بإنشاء جيب صغير من المعدة ثم يوصله بالأمعاء الدقيقة عبر توصيلتين: الأولى بين المعدة والأمعاء، والثانية بين جزأين من الأمعاء. هذه التقنية دقيقة ومعقدة أكثر، وتستغرق وقتاً أطول، لكنها تقلل من احتمال ارتجاع العصارة الصفراوية.
أما في التحويل المصغر، فيتم إنشاء جيب طويل من المعدة وتوصيله مباشرة بالأمعاء بتوصيلة واحدة فقط، ما يجعل الجراحة أسرع وأبسط. لكن هذا النوع قد يزيد من خطر الارتجاع الصفراوي في بعض الحالات، بسبب طريقة التوصيل المباشر. كلا الإجراءين يساعدان في فقدان الوزن بشكل فعّال، إلا أن التحويل الكلاسيكي يُفضل للمرضى الذين يعانون من ارتجاع مريئي أو يحتاجون لضبط أكبر لسوء الامتصاص، في حين يُعد المصغر خياراً جيداً لمن يرغب في عملية أبسط وأسرع، مع نتائج قريبة من الكلاسيكي.
الفرق بين تكميم المعدة وتحويل المسار
يخلط البعض بين تحويل مسار المعدة و عملية تكميم المعدة، رغم اختلاف المبدأ بينهما:
- في التكميم، تُزال نسبة كبيرة من المعدة (حوالي 70-80%) دون تغيير في مسار الأمعاء.
- بينما في تحويل المسار، يتم تصغير المعدة وتوصيلها بالأمعاء مباشرة لتقليل الامتصاص.
- التكميم أقل تعقيداً من حيث الجراحة والمضاعفات اللاحقة، ولا يتطلب تجاوز جزء من الأمعاء.
-
بالمقابل، يساعد تحويل المسار بشكل أقوى في التحكم بالسكري من النوع الثاني.
لكن الأضرار المحتملة لتحويل المسار، خاصة سوء الامتصاص، تبقى أكبر من تلك المرتبطة بالتكميم.
الفرق بين تحويل مسار المعدة و طي المعدة
طي المعدة هو إجراء أبسط وأقل تدخلاً جراحياً من تحويل مسار المعدة، ويتم فيه طيّ جدار المعدة للداخل دون قص أو إزالة أي جزء منها:
- لا يتم في الطيّ قطع المعدة أو تغيير في الأمعاء، مما يقلل من المخاطر.
- الطيّ أقل تكلفة وأقل ضرراً من حيث المضاعفات بعيدة المدى.
-
لكنه أقل فاعلية في فقدان الوزن مقارنة بتحويل المسار.
هذا يجعل الطيّ مناسباً أكثر للحالات الأقل حدة، بينما يُستخدم تحويل المسار للمرضى الذين يعانون من سمنة مفرطة أو مشاكل صحية مرتبطة بها.
الفرق بين تحويل مسار المعدة وتحويل مسار الأمعاء
يُخلط أحياناً بين تحويل مسار المعدة وتحويل مسار الأمعاء (Biliopancreatic Diversion):
-
في تحويل مسار الأمعاء، يُزال جزء كبير من المعدة ويُعاد ترتيب الأمعاء بحيث يتم تجاوز جزء كبير منها، مما يسبب تقليلاً شديداً في الامتصاص.
-
يُعد أكثر تطرفاً من تحويل مسار المعدة، ويُستخدم فقط في حالات السمنة الشديدة جداً.
بينما يهدف تحويل مسار المعدة إلى تقليل كمية الطعام المتناول والامتصاص بدرجة متوسطة، فإن تحويل مسار الأمعاء يركّز أساساً على تقليل الامتصاص بدرجة كبيرة، ما يضاعف المخاطر الغذائية والمضاعفات الصحية.
عملية تحويل مسار المعدة تُعد من أكثر جراحات السمنة فاعلية، لكنها ليست خالية من الأضرار. فوائدها تظهر بوضوح لدى المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة مرتبطة بالسمنة، ولكن يجب ألا يُتخذ القرار بإجرائها إلا بعد دراسة شاملة للحالة ومناقشة البدائل.
في كثير من الأحيان، قد تكون عمليات مثل تكميم المعدة أو حتى الحلول غير الجراحية (كالنظام الغذائي والرياضة أو الكبسولة الذكية) خيارات أكثر أماناً وأقل تعقيداً على المدى الطويل.
إذا كنت تفكر في إحدى عمليات السمنة، لا تتردد في طلب استشارة طبية مجانية مع الدكتور علي الشيخ أخصائي الجراحة العامة والتنظيرية وإجراءات السمنة، عبر واتساب. القرار الصحيح يبدأ بمعلومة صحيحة ونصيحة موثوقة.